سورة الأنفال - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنفال)


        


قوله تعالى: {وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحقَّ من عندك} اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال.
أحدها: أنها نزلت في النضر أيضاً، رواه جماعة عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن جبير، ومجاهد، وعطاء، والسدي.
والثاني: أنها نزلت في أبي جهل، فهو القائل لهذا؛ قاله أنس بن مالك، وهو مخرج في الصحيحين.
والثالث: أنها نزلت في قريش، قالوا: هذا، ثم ندموا فقالوا غفرانك اللهم، فأنزل الله {وما كان اللهُ معذِّبهم وهم يستغفرون}، رواه أبو معشر عن يزيد ابن رومان، ومحمد بن قيس. وفي المشار إليه بقوله: {إن كان هذا} ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه القرآن. والثاني: كل ما يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمر بالتوحيد وغيره. والثالث: أنه إكرام محمد صلى الله عليه وسلم بالنبوة من بين قريش.


قوله تعالى: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} في المشار إليه قولان:
أحدهما: أهل مكة. وفي معنى الكلام قولان. أحدهما: وما كان الله ليعذبهم وأنت مقيم بين أظهرهم. قال ابن عباس: لم تُعذَّب قرية حتى يخرج نبيُّها والمؤمنون معه. والثاني: وما كان الله ليعذِّبهم وأنت حي؛ قاله أبو سليمان.
والثاني: أن المشار إليهم المؤمنون، والمعنى: وما كان الله ليعذب المؤمنين بضرب من العذاب الذي أهلك به مَن قبلهم وأنت حي؛ ذكره أبو سليمان الدمشقي.
فصل:
قال الحسن، وعكرمة: هذه الآية منسوخة بقوله: {وما لهم ألاَّ يعذبَهم الله} [الأنفال: 34] وفيه بُعد لأن النسخ لا يدخل على الأخبار، وقال ابن أبزى: كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، فأنزل الله عز وجل {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} فخرج إلى المدينة، فأنزل الله {وما كان الله مُعذِّبَهم وهم يستغفرون} وكان أولئك البقية من المسلمين بمكة يستغفرون، فلما خرجوا أنزل الله {وما لهم ألاَّ يعذِّبَهم الله}. وجميع أقوال المفسرين تدل على أن قوله: {وما كان الله معذِّبهم وهم يستغفرون} كلام مبتدأ من إخبار الله عز وجل. وقد روي عن محمد بن إسحاق أنه قال: هذه الآية من قول المشركين، قالوا: والله إنَّ الله لا يعذبنا ونحن نستغفر، فردَّ الله عليهم ذلك بقوله: {وما لهم ألاَّ يعذِّبَهم الله}.
قوله تعالى: {وما كان الله معذِّبَهم وهم يستغفرون} وفي معنى هذا الكلام خمسة أقوال.
أحدها: وما كان الله معذِّب المشركين، وفيهم من قد سبق له أن يؤمن؛ رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، واختاره الزجاج.
والثاني: وما كان الله معذِّبَهم وهم يستغفرون الله، فانهم كانوا يلّبون ويقولون: غفرانك؛ وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً، وفيه ضعف، لأن استغفار المشرك لا أثر له في القبول.
والثالث: وما كان الله معذِّبَهم، يعني: المشركين، وهم يعني المؤمنين الذين بينهم يستغفرون؛ روي عن ابن عباس أيضاً، وبه قال الضحاك، وأبو مالك: قال ابن الأنباري وُصفوا بصفة بعضهم، لأن المؤمنين بين أظهرهم، فأوقع العموم على الخصوص، كما يقال: قتل أهل المسجد رجلاً، وأخذ أهل البصرة فلاناً، ولعله لم يفعل ذلك إلا رجل واحد.
والرابع: وما كان الله معذِّبهم وفي أصلابهم مَن يستغفر الله، قاله مجاهد. قال ابن الأنباري: فيكون معنى تعذيبهم: إهلاكهم؛ فالمعنى: وما كان الله مهلكهم، وقد سبق في علمه أنه يكون لهم أولاد يؤمنون به ويستغفرونه؛ فوصفهم بصفة ذراريهم، وغُلِّبوا عليهم كما غُلِّب بعضهم على كلهم في الجواب الذي قبله.
والخامس: أن المعنى لو استغفروا لما عذَّبهم الله، ولكنهم لم يستغفروا فاستحقُّوا العذاب، وهذا كما تقول العرب: ما كنت لأهينَك وأنت تكرمني؛ يريدون: ما كنت لأهينك لو أكرمتني، فأما إذ لست تكرمني، فانك مستحقٌّ لإهانتي، وإلى هذا القول ذهب قتادة والسدي. قال ابن الأنباري: وهو اختيار اللغويين. وذكر المفسرون في معنى هذا الاستغفار ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه الاستغفار المعروف، وقد ذكرناه عن ابن عباس.
والثاني: أنه بمعنى الصلاة، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، ومنصور عن مجاهد، وبه قال الضحاك.
والثالث: أنه بمعنى الإِسلام، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد وبه قال عكرمة.


قوله تعالى: {وما لهم ألا يعذبهم الله} هذه الآية أجازت تعذيبهم، والأُولى نفت ذلك، وهل المراد بهذا: العذابُ الاولُ، أم لا؟ فيه قولان:
أحدهما: أنه هو الأول، إلا أن الأول امتنع بشيئين. أحدهما: كون النبي صلى الله عليه وسلم فيهم. والثاني: كون المؤمنين المستغفرين بينهم، فلما وقع التمييز بالهجرة، وقع العذاب بالباقين يوم بدر، وقيل: بل وقع بفتح مكة.
والثاني: أنهما مختلفان، وفي ذلك قولان. أحدهما: أن العذاب الثاني: قَتْلُ بعضِهم يوم بدر، والأول: استئصال الكُلِّ، فلم يقع الأول لِما قد عُلم من إيمان بعضهم، وإسلام بعضِ ذراريهم، ووقع الثاني. والثاني: أن العذاب الأول: عذاب الدنيا. والثاني: عذاب الآخرة، قاله ابن عباس، فيكون المعنى: وما كان اللهُ معذِّبَ المشركين لاستغفارهم في الدنيا، وما لهم ألا يعذبهم الله في الآخرة.
قوله تعالى: {وهم يصدون} قال الزجاج: المعنى: وهم يصدون {عن المسجد الحرام} أولياءَه. وفي هاء الكناية في قوله: {وما كانوا أولياءَه} قولان:
أحدهما: أنها ترجع إلى {المسجد}، وهو قول الجمهور. قال الحسن: إن المشركين قالوا: نحن أولياء المسجد الحرام، فرد الله عليهم بهذا.
والثاني: أنها تعود إلى الله عز وجل، ذكره أبو سليمان الدمشقي.
قوله تعالى: {إنْ أولياؤُه} أي: ما أولياؤه {إلاَّ المتقون} للشرك والمعاصي، ولكنَّ أكثر أهل مكة لا يعلمون من الأولى ببيت الله.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11